عرض المقال
غداً يوم البحث عن مصر
2013-06-28 الجمعه
ما زال مشهد الفنانة الرائعة محسنة توفيق «بهية» فى نهاية فيلم العصفور وهى تهرول ملتاعة بعد الهزيمة بحثاً عن مصر المحروسة التائهة مطبوعاً فى ذهنى، ما زالت ترن فى أذنى نغمات على إسماعيل، وتلمع فى ذهنى لقطات وإبداع يوسف شاهين. أرجو أن ينزل الجميع بهذه الروح البهية، روح البحث عن مصر، فليقل: «مصر وحشتنى قوى نازل أشوفها» وكأنك على ميعاد غرامى ستنسج فيه قصة حب مع معشوقتك الحزينة المخطوفة المغتصبة، انزل 30 يونيو وفى نيتك أن تبحث عن مصر التى أخفت ملامحها رياح ورمال التشدد الصحراوية التى جعلت المصرى يتآلف مع الدم ويتلذذ بالسحل وتزغرد نسوته فرحاً بالحرق والقتل ويرقص أطفاله على مشاهد الصلب والرجم، انزل 30 يونيو وأنت تحلم بمصر البهجة والفن والموسيقى والسماحة والضحك والجمال، مصر التى كانت تعتبر الخميس الأول من كل شهر عيداً قومياً وإن لم تدونه نتائج الحائط أو تسجله أهلّة الشهور الهجرية، تستمع فيه إلى ست الكل وهى تغنى وتشدو وتحلق بنا فى سماء النغم الذى حوّلته عصابة خفافيش الظلام إلى رصاص مصهور سيصب فى آذاننا، جعلوا من أم كلثوم، كوكب الشرق، محرضة على الفسق والمجون ونحن الذين ظللنا عشرات السنين نرسو على شاطئ حنجرتها الصافى العذب، انزل 30/6 وابحث عن بيكار وألوانه وخطوطه وبورتريهاته وأصابع جميلاته النحيلة وشعرهن المسدل وكبريائهن الملائكى، مزّق كل ما قالته أبواقهم الشيطانية وكتبته أقلامهم المسمومة المسنونة التى لم ترَ فى بيكار إلا مصوراً سيستقر فى قعر جهنم لأنه يقلد خلق الله ولم يلتقطوا من سيرة حياته إلا أنه بهائى يستحق الشنق ونحن الذين عشنا فى عالم ألوانه وظلاله نسأل عن بهائه لا عن بهائيته!! انزل 30/6 لتنقب عن مسيرة مصر المحروسة منذ محمد على لبناء دولة مدنية يتسع حضنها لكل أطياف الشعب، استعرض وأنت تمشى فى المظاهرة بعثة الطهطاوى الذى يجلس حفيده الآن فى الصف الأول مصفقاً لمرسى الذى ضرب بمعول الإخوان مشروع جده التنويرى، تذكّر أول مجلس نواب، ثورة عرابى، ثورة 19، سعد زغلول الذى عين يهوداً وأقباطاً فى وزارته باحثاً عن كفاءتهم لا عن عقيدتهم، هدى شعراوى التى حذفوها من منهج التاريخ لأنها وكل تاء تأنيث مثلها هى شيطان متحرك، تذكّر جسارة طه حسين وقسوة من هتفوا بسجنه وفصله، تذكّر السكين الذى ذبح نجيب محفوظ، والرصاصات التى استقرت فى صدر فرج فودة، تذكّر مصر شاى العصارى وشقاوة البنات وخشوع الحسين والسيدة وجدعنة ولاد البلد ودلال الملايات اللف التى تخرج من لوحات محمود سعيد مستفزة الوحش الكامن فى كروش عصابة الضباع الجائعة ذوى الكروش المنتفخة واللعاب السائل والملامح المتجهمة الهابطين على كوكبنا المصرى بإبلهم وخيامهم وعنصريتهم وقبليتهم من رحم الماضى وكأن مومياوات المتحف قد دبت فيها الروح بعد حقنها بإكسير الكراهية لتتكاثر وتتناسل وتتحول إلى سرطان سنتغلب عليه ونستوعبه ونهضمه بعصارة النور وإنزيمات الحرية بداية من الغد، 30 يونيو، باذن الله.